- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الصبر هو إيقاع حركة الإنسان في النطاق المسموح به من الشهوات :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ دقيق متعلقٍ بـ: "سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو موضوع الصبر.
ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، فالصبر هو إيقاع حركة الإنسان في النطاق المسموح به من الشهوات، إذاً الإيمان كله صبر، الآن لندقق في هذه الآيات، الآية الأولى قال تعالى:
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾
بالمناسبة حيثما وردت كلمة الإنسان معرفة بأل تعني الإنسان قبل أن يؤمن:
﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾
أي في الرخاء ينسى فضل الله عليه، يفرح بهذا العطاء، وفي الشدة ييئس، يائسٍ متبجح.
﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾
المؤمن في الرخاء شكور وفي الضراء صبور :
أي المؤمن متميز، في الرخاء شكور، وفي الضراء صبور، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))
آيةٌ ثانية:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
يتوهم الإنسان أن نعم الله في الدنيا إكراماً، ويتوهم الإنسان أيضاً أن الحرمان إهانةً، فجاء الجواب الإلهي:
﴿ كَلَّا ﴾
﴿ كَلَّا ﴾
أداة ردعٍ ونهي، أي يا عبادي ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء:
((إنَّ اللَّهَ لَيَحْمِيَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ))
وفي رواية ثانية:
((إن الله عز و جل يحمي عبده المؤمن كما يحمي الراعي الشقيق غنمه من مراتع الهلكة ))
لذلك قال ابن عطاء الله السكندري: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء."
أحياناً البلاد التي فيها رخاءٌ كبير، هذا الرخاء قد يكون حجاباً بين الناس وبين ربهم، وبلادٌ أخرى فيها شدائد كثيرة، هذه الشدائد تدفعهم إلى باب الله، ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء.
كل الخصائص التي منحت للإنسان ابتلاءٌ يقيّم في ضوء التعامل معه :
الآن:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ﴾
أعطاه مالاً، أعطاه صحةً، أعطاه وسامةً، أعطاه ذكاءً، أعطاه أهلاً وأولاداً، أعطاه منصباً رفيعاً، أعطاه بحبوحةً ماديةً
﴿ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن ﴾
نقول له: لا، هذا العطاء ليس نعمةً وليس نقمةً، هذا العطاء امتحان، يقيّم في ضوء استخدامك له، فإذا أُنفق المال في طاعة الله كان المال نعمةً وأية نعمة، وإذا أنفق المال في المعاصي والآثام كان المال نقمةً وأية نقمة، أعطاك صحةً، إن استخدمتها في طاعة الله الصحة نعمةٌ وأية نعمة، أما إذا استخدمت في المعاصي والآثام الصحة نقمةٌ وأية نقمة، كل نعم الله، وكل الحظوظ في الدنيا، وكل الخصائص التي منحت للإنسان، ليست نعمةً وليست نقمةً، إنما هي ابتلاءٌ يقيّم في ضوء التعامل معه، المال نعمة إن أنفق في طاعة الله، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
إذاً : ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء.
الصبر طريق الجنة :
أيها الأخوة، كما تعلمون لكل حسنةٍ ثواب، إلا الصبر، التعبير المعاصر معه شيك مفتوح، الآن أي سند فيه رقم، مليون، خمسة ملايين، ألف مليون، إلا أن هناك شيكاً موقعاً والرقم فارغ، اكتب أي رقم:
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
الصبر طريق الجنة، الآن الإله العظيم يقول لعباده:
﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾
خير لكم، أي هناك شهوات، و هناك ضبط، غض البصر صبر، ضبط اللسان صبر، ضبط الدخل صبر، ضبط الإنفاق صبر، ضبط اللقاءات ـ هناك لقاءات مختلطة ـ صبر، ضبط الحركة صبر، ضبط اليد صبر، ضبط الأذن صبر، لذلك،
﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾
من علامة الإيمان التعاون و التنازل :
الآن دقق:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾
تضعفوا، وهذه مشكلة المسلمين:
﴿ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾
تذهب قوتكم:
﴿ وَاصْبِرُوا ﴾
على ماذا؟ ما علاقة الصبر بهذه الآية؟ أي إذا كنتم في مهمة تطاوعوا ولا تنافسوا، لذلك ينشأ من هذه الآية فضيلة اسمها فضيلة التنازل، مثلاً أنا وأخي بوفد تكلم فانطلق لسانه، أنا ينبغي أن أسكت لأنه قام بالمهمة، أما ينبغي أن أثبت أنني لست أقل منه فأقاطعه وأتكلم، لا، إذا المهمة تحققت ينبغي أن أسكت، أن أتنازل له، لذلك:
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ﴾
حينما تطيع أخاك تحقيقاً للمصلحة العامة فأنت صابر، من علامة الإيمان التعاون، ومن علامة ضعف الإيمان التنافس، من علامة الإيمان التنازل أحياناً، ومن علامة البعد عن الإيمان تأكيد الذات، الآن أنت مكلف أن تصبر، لكن لا تنسى أنك مكلفٌ أيضاً أن تصابر، أن تحمل الناس على الصبر، أحياناً يشكو لك أحدهم مشكلةً بزوجته، تقول له: لا، الحمد لله أنا عندي زوجة رائعة، لا، هذا من سوء الأدب، هو الآن متضايق، يشكو لك قضيةً آلمته، يجب أن تعينه على الصبر، لا أن تحمله على تطليقها.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
نظام الدنيا نظام جهد و بذل و نظام الآخرة نظام إكرام و جزاء :
الآن الصبر شيء ليس سهلاً:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
الذي يملك إرادة قوية، الذي يملك رؤيا صحيحة، الذي يملك تطلعاً إلى مرضاة الله كبير يصبر، والحياة تحتاج إلى صبر، نحن في دار عمل لا في دار جزاء، نحن في دار تكليف لا في دار تشريف، نحن في دار كدح لا في دار تكريم، في الدنيا:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾
أما في الآخرة:
﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ﴾
نظام الآخرة نظام إكرام، نظام الدنيا نظام جهد يبذل، إذاً،
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
ما من دعوةٍ إلى الله إلا وتواجه معارضة فشأن الدعاة إلى الله شأن الصبر :
الآن دقق في هذه الآية:
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
ما قولك أنك إذا كنت صابراً فإن الله يحبك؟
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
لو تتبعت آيات القرآن الكريم على كلمة
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ ﴾
لوجدت أن الله سبحانه وتعالى في بضع عشرة آية ذكر من الذي يحب؟ يحب التوابين، يحب المتطهرين، يحب الصابرين، يحب المحسنين، يحب المتقين، أي أن تصل إلى محبة الله شيء سهل:
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
والله حينما أقرأ هذه الآية يقشعر بدني:
﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾
أي الله يقدر صبرك، يكون الدخل قليلاً والتكاليف كثيرة، و عندك طرائق كثيرة لكسب المال الحرام، تقول:
﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾
الله يقدر أنه أنت بإمكانك أن تملك الملايين المملينة، لكن مبادئك تمنعك أن تأكل المال الحرام، والله يقدر هذا الموقف، الآن ما من دعوةٍ إلى الله إلا وتواجه معارضة أحياناً، فشأن الدعاة إلى الله شأن الصبر، سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، والذي أقسم الله بعمره، في الطائف كُذب، وسخر منه، وضرب، فقال:
(( يا رب إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا رب المستضعفين إلى من تكلني؟ إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
ما هذا الأدب؟ ما هذا الصبر؟
في آخر الزمان القابض على دينه كالقابض على الجمر :
الآن:
(( بَدَأَ الإِسلامُ غريباً، وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ، فطُوبَى للغرباءِ ))
((اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، أجره كأجر سبعين، قالوا : منا أم منهم؟ قال : بل منكم، قالوا: و لمَ؟ قال : لأنكم تجدون على الخير معواناً و لا يجدون ))
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه، موتٌ كعقاص الغنم:
(( يَوْمٌ لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
لذلك:
﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
الصبر طريقٌ لابد من أن يسلكه الإنسان ليصل إلى الجنة :
الآن أيها الأخوة: الطرف الآخر له مكر مخيف، قال تعالى:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾
تصور إله عظيم يصف مكرهم بأنه تزول منه الجبال، هل تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تنقل جبل قاسيون إلى درعا؟ فوق طاقة كل الدول، وصف الله مكر هؤلاء أعداء الدين بأن مكرهم تزول منه الجبال:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾
استمع إلى الآية الثانية:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
أسلحتهم، أقمارهم الصناعية، أموالهم الطائلة، الإعلام الذي يملكونه، ثلاثون دولة تتحالف فوراً معهم، على ضلال، على عدوان، معهم تحالفات، معهم حق الفيتو، معهم أقمار صناعية، معهم أموال طائلة، معهم إعلام، قال:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
هل تصدقون أن خلاص المسلمين بكلمتين في هذه الآية:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
بالمناسبة الإمام الشافعي سُئل: "أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فتبسم وقال: لن تمكن قبل أن تبتلى"، أي مستحيل وألفُ ألفِ مستحيل أن تنال عطاءً من الله من دون ابتلاء، تبتلى ثم تُمكن، الآية:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
إذاً لابد من أن تصبر، فالصبر طريقٌ لابد من أن تسلكه.
الله عز وجل مع المؤمن بالنجاح و الفلاح و التفوق :
الآن ماذا تعني كلمة:
﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
بالتأييد، بالتوفيق، بالحفظ، بالنصر، قال تعالى:
﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
أي إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ آيةٌ دقيقةٌ جداً قال تعالى:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ ﴾
أي النجاح، الفلاح، التفوق:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾
الصبر إشارةٌ على صدق الإنسان :
الآن دققوا:
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ ﴾
هناك النعماء والبأساء، النعماء مال وفير، بيت جميل، صحة طيبة، ألوان من الأطعمة؛ هذه النعماء، والبأساء قد يكون البيت صغيراً، والدخل قليلاً، و المعاناة كثيرة:
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾
قال علماء التفسير: النقص في المال والأنفس، دخل قليل، ولم يرزق بأولاد، النقص في المال والأنفس، قال:
﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾
الشدة:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾
فصار الصبر إشارةٌ على صدق الإنسان، الآية المتعلقة بالمؤمنين:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
الصبر يشمل البحث عن الحقيقة والعمل وفقها والدعوة إليها :
الآن الآية التي قال عنها الإمام الشافعي، بل السورة التي قال عنها الإمام الشافعي: لو تدبرها الناس لكفتهم هي سورة العصر:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
جواب القسم:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
أي بحثوا عن الحقيقة:
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
تحركوا وفقها:
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
دعوا إليها، أما الرابعة:
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
قال العلماء: هنا الصبر يشمل البحث عن الحقيقة، والعمل وفقها، والدعوة إليها.
البحث يحتاج إلى صبر :
البحث يحتاج إلى صبر، وتطبيق هذا المنهج يحتاج إلى صبر، والدعوة إلى هذا المنهج تحتاج إلى صبر، والله عز وجل يقول:
﴿ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ﴾
هناك إنسان صابر، لكن لم يعد يستطيع الاحتمال، كلامه قاس جداً، دائماً ينتقد، متبرم، دعك مني، اذهب من وجهي، الله عز وجل قال:
﴿ فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً ﴾
وهناك إنسان يتقبل قضاء لله وقدره بصبرٍ جميل:
﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾
والله مرة قرأت هذه الآية في مكان تأثرت بها كثيراً:
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾
أحياناً الأمر واضح، ما دام واضحاً لا يحتاج إلى صبر، لو قال لك طبيب الأسنان: لا تحتمل المخدر، لابد من أن تتألم، الأمر واضح، فتتألم وتسكت، لكن أحياناً وأنت مؤمن مستقيم، مطبق لمنهج الله تماماً، تأتي مشكلة يصعب عليك تفسيرها، هنا تأتي هذه الآية:
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
أخ من أخواننا ولدت امرأته فجاء الولد معه أذية دماغية، فأصبحت تأتيه اختلاجات نوبية، فالأطباء قالوا: هذه أذية في الدماغ تنتهي بشلل، أو بفقد بصر، أو بأشياء كثيرة، فألمت به كآبةٌ كئيبة، قلت له: إن الذي تحبه، والذي تعبده، والذي ترجو رضاه، هذا قراره ينبغي أن تقبله، فلذلك:
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾
وراء كل مِحنة مَنحة من الله عز وجل :
الآن هذا الذي سمح الله له أن ينطق بالحق دخل في امتحانات صعبة جداً:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾
أي مستحيل أن تصل إلى مقامٍ رفيعٍ عند الله دون أن يسبقه امتحانات، حينما أعلم الله نبيه أنه سيد الأنبياء والمرسلين في الإسراء والمعراج، ماذا سبق ذلك؟ الطائف، لذلك كل محنةٍ بعدها منحة، وكل شِّدةٍ وراءها شَّدةٌ إلى الله عز وجل:
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
النصر و الفرج مع الصبر لأن الصبر يحتاج إلى عزيمة :
لكن:
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
قد يأتي قضاء الله وقدره مباشرةً، ينبغي أن تصبر، والصبر يحتاج إلى عزيمة، لكن قد يأتي قضاء الله وقدره على يد إنسان، أنت في الحالة هذه الصبر أصعب، يوجد إنسان غريم أمامك، وقع الطفل من الشرفة فمات، تقاضي من؟ قضاء وقدر، لكن هناك إنساناً يقود مركبته بدقةٍ بالغة، الابن قفز أمام المركبة ودهسته، أنت أمامك إنسان، بهذا الموقف العصيب في هذه الآية:
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ ﴾
على قضاء الله وقدره،
﴿ وَغَفَرَ ﴾
لمن جعل الله هذا القضاء والقدر على يديه،
﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾
أيها الأخوة الكرام، إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الصبر، والنبي كان يدعو ويقول:
(( اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الصَّبْرَ ))
أما الصبر الحقيقي عند الصدمة الأولى، أحياناً إنسان عند الصدمة الأولى لا يصبر لكن بعد ذلك يجبر على أن يصبر، هذا الواقع ماذا تفعل؟ أما المؤمن يصبر عند الصدمة الأولى، اللهم اجعلنا من الصابرين.